حكمة اليوم

قرأنا لك

الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد

قائمة المراسلة
الاسم
البريد
الجوال

مشاهدة : 1696

) التخلص من مُكبِّلي العجز والكسل..

 

تذوق واستمتع وتعلم كيف تنطلق وتتحرر من مكبلات ومعوقات الانطلاق الفعال لشخصيتك المبدعة الفعالة لتغير معالم الحياة لما ينفعك

  

أثر التوجيهات النبوية في بناء الفعالية الشخصية

 

 

 

أ.د. محمد المحمدي الماضي

أستاذ إدارة الإستراتيجية

كلية التجارة - جامعة القاهرة


2)  التخلص من مُكبِّلي العجز والكسل..

 

نتابع الوقوف على مكبلات ومعوقات الفعالية الشخصية، والمنطلقة من وحي التوجيهات النبوية، والمتمثلة في كلماته وتوجيهاته صلى الله عليه وسلم لأبي أُمامة الأنصاري رضي الله عنه: "قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ".

وقد تناولنا في المقال السابق المكبِّلين الأولين وهما (الهم والحزن) بعد أن قدمنا لهذا الحديث النبوي الشريف، وأوضحنا كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ بالله ويستجير بالله العلي العظيم من هذه المكبلات، وقد جعل ذلك ديدنه صلى الله عليه وسلم ومن جملة أذكاره في الصباح والمساء، وعلَّمنا أن نفعل ذلك.

واليوم نتناول المكبلان الثالث والرابع (العجز والكسل) بمزيد من إلقاء الضوء، وبالشرح والإيضاح، ولعل الهدف الأساسي من وراء ذلك هو تخليص الإنسان من المعطلات والمثبطات الجسمية والجسدية، وإطلاق طاقاته الكامنة تتفجر بالخير والعطاء وتتألق لتحلق في السماء.

المُكبِّلان الثالث والرابع: العجز والكسل..

من جملة ما استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الجامع السابق صفتي العجز والكسل، وقد قرنهما معًا - وهو الذي أوتى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم - لعلة عظيمة، وخبرة ومعرفة ببواطن النفس البشرية جليلة..

وبادئ ذي بدء فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ إلا من عظيم، ولعل ذلك يُشير إلى خطورة صفتي العجز والكسل إذا ما أصابتا الإنسان؛ فإنهما - ولا شك - تحولانه إلى إنسان مجردٌ من صفة الإنسانية، إنسان تابعٌ إمعةٌ، عالةٌ على مجتمعه، لا يرضى إلا بالدون، وقد لبس ثوب المذلة والاستكانة.. ومن ثم فهاتان الصفتان قادرتان على أن تجهزا على حياة الإنسان العملية، والتي تجعل منه فردًا صالحًا منتجًا!

فالعجز والكسل من شأنهما أن يمنعا الإنسان الخير الكثير، ومن شأنهما أن يُقعدانه عن العمل الصالح وتحصيل العلم النافع، وعن عمل الخير وخير العمل..

ولنا أن نتأمل في معنى العجز والكسل؛ لنقف على كنههما وحقيقتهما، وحتى نتعرف أيضًا على سر اقترانهما على هذا النحو العجيب في هذا الحديث.

فالعجز - كما أوضح صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود - ضد القدرة، وأصله التأخر عن الشيء، وهو مأخوذٌ من العجز وهو مؤخر الشيء، ثم استعمل في مقابله في مقابلة القدرة، واشتهر فيها.

أما الكسل - كما أشار أيضًا - فيعني التثاقل عن الأمر المحمود مع وجود القدرة عليه.

ولعلنا نرى في ذلك أن في العجز إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجاز هذا الفعل، أو وجود قدرة ولكن ضعيفة، بعكس الكسل الذي تنتفي فيه تلك الإرادة.. فأي فعلٍ إنما هو اجتماع الإرادة القدرة معًا، فإذا توافرت الإرادة وانتفت القدرة أو ضعفت سُمي ذلك عجزًا، وإذا توافرت القدرة وانعدمت الإرادة سُمي ذلك كسلاً، وبدون أيٍ من هاتين الصفتين (القدرة والإرادة) مجتمعتين لا يتم أي فعل.

العجز والكسل.. سر الاقتران والملازمة

مما سبق نلحظ السرّ البديع حين قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه بين صفة العجز والكسل ورتبهما معًا.

وهذا الربط من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذين المصطلحين (العجز والكسل) لم يكن مجرد صدفة، وإنما يقوم على تعمق وحكمة بالغة تصل إلى درجة الإعجاز النبوي فيما يتعلق بأهم محددات السلوك عمومًا، سواء كان إداريًا أو فنيًا أو تنفيذيًا في أي مجال من المجالات، أو ما يمكن أن نطلق عليه "محددات الأداء".

ويمكن تلخيص ذلك في المعادلة الآتية:

السلوك (الأداء) = الإرادة (الرغبة) × القدرة

باعتبار أن الكسل ضد الإرادة، والعجز ضد القدرة، ومن هنا لا يمكن أن يكتمل الفعل دون انتفاء كل من العجز والكسل وحدوث عكسهما متمثلاً في الإرادة والقدرة.

ومهمة الإنسان مع نفسه أو المربي مع غيره أو المدير مع موظفيه أن يعمل جاهدًا في الحفاظ على درجة عالية من تمام الإرادة وتمام القدرة؛ حتى يكتمل تمام السلوك أو الأداء.

فلو افترضنا أن كمال كل منهما يتمثل في (10) درجات من (10)، فإن تمام الأداء يقتضي أن يكون مساويًا لـ (100)، باعتبار المعادلة السابقة: الأداء = الإرادة (10) × القدرة (10) = (100).. وإذا أصبح أحدهما صفرًا فلن تكن النتيجة سوى صفرًا، حتى لو الآخر يساوي (10)!!

ولعل هذا سرٌّ عجيب في اقترانهما معًا (العجز والكسل)، وبقدر الانخفاض في أي منهما أو في كليهما، سينخفض الأداء الكلي للفرد أو لمجموعة الأفراد الذين حدث فيهم هذا الانخفاض.

إدارة أداء الأفراد وليس إدارة الأفراد:

ومن هنا فسوف ننطلق من إدارة الأفراد إلى إدارة أداء الأفراد، وهو مدخل مهم في الإدارة يقتضي منا أن ننظر للأفراد من الداخل وليس من الخارج.

فإذا كنا نريد أن نرتقي بأداء الفرد فعلينا أن ننظر إلى محددات أدائه، ونعمل على الارتقاء بما يدعم هذا الأداء، وعلاج ما يعوقه.

فنحن إذًا لا ندير الأفراد، بل ندير الأداء، وحتى ندير الأداء فلا بد من إدارة الرغبة أو الإرادة - بمعنى أفضل - والقدرة، وحتى ندير الإرادة فعلينا أن نتحرى كل ما يقويها ويعمل على إعلائها (علو الهمة) من كل وسائل التحفيز الذاتي والخارجي، المادي والمعنوي، السلبي والإيجابي، الدنيوي والأخروي.

وحتى ندير القدرة ونحررها من أي مكبل فعلينا أن نبحث أيضًا عن محدداتها، وكل ما يمكن أن يرتقي بها، من تدريب، وتنمية، وتوجيه، ومشاركة أو استشارة.

ومن هنا يكون لدينا جناحان مهمان لإدارة الأداء أمام كل مدير لنفسه أو للآخرين، وهما: الإرادة (الهمة) والقدرة، وحتى تتضح لنا الأمور بشكل أفضل يمكن تصوير العلاقة بين الاثنين في (الشكل السابق أعلاه).

 

وأود الإشارة أيضًا إلى الفرق بين الإرادة والرغبة حسب تعريف مضاد الكسل، حيث شاع استخدام لفظ الرغبة في مقابل القدرة لدى علماء الإدارة والسلوك، حينما نتكلم عن محددات الأداء، بينما نلاحظ أن شُرَّاح الحديث ذكروا الإرادة وليس الرغبة، فهل هناك فرق بين ما أتى به علماء الإدارة والسلوك وبين ما أتى به علماء السنة وشُراح الحديث؟

 

أستطيع القول بأن هناك فرقًا شاسعًا بين الاثنين كمحددات للسلوك الإنساني عمومًا، حيث إن الرغبة أقل رتبة من الإرادة أو "الهمة" في تحديد السلوك.

فالرغبة يمكن أن تتواجد لدى البعض لكن دون أن تترجم إلى خطة لتحويل هذه الرغبة إلى سلوك أو فعل، وهذا بالتحديد هو الفارق بينهما، حيث تعني الإرادة إعداد العدة واتخاذ الأسباب، وبالمعنى الإداري الحديث إعداد خطة لتنفيذ الأمر، وهذا مصداقاً لقوله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة: 46].

ولعل هذا هو ما لا يفطن إليه كثير من الناس في دقائق محددات السلوك، والتي تحتاج منا لحديث منفصل؛ مما يؤدي بكثير من محاولات تفعيل السلوك أو تغييره أو تعديله إلى الفشل.

فالمحك الأساسي الذي يمثل حجر الزاوية لدى الإنسان قبل الإقدام على الفعل هو قوة الإرادة أو ضعفها، وليس مجرد وجود الرغبة،فقد تتواجد الرغبة لدي شخص في أن ينام مبكرًا  ويستيقظ مبكرًا لكن دون أن يعقب تلك الرغبة أي محاولة للتنفيذ ؛ فحينئذ تكون مجرد أمنية مصداقا لقول الشاعر : أمان إن تكن حقا تكن أسعد المنى        وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدًا

تلك الإرادة التي من دلالات قوتها أن يعد لها الإنسان العدة ويأخذ بكافة الأساب الموصلة لتحقيقها.

ولذلك نجد أن الشائع لدينا حينما نصف إنسانًا لا يقوى على تنفيذ ما يرغبه أو ما يقوله، أن نقول عنه: "إنه ضعيف الإرادة، أو ليس له إرادة".

ومن ثم فإن على علماء الإدارة والسلوك أن ينظروا بشكل أكثر دقة في هذين المحددين، باعتبارهما أساسًا للأداء الذي هو أساس لعمل الإنسان وسلوكه، ومن ثم إنتاجيته التي تتحكم في الإنتاج الذي نريد أن نرتقي به كمًا وكيفًا.

والمشكلة أن هذين المكبلين، وهما العجز والكسل، في المكبلات الداخلية التي قد يكون لها مسببات خارجية، ومن ثم تحتاج لحكمة بالغة في علاجها، سواء على المستوى الفردي، أو على المستوى التنظيمي.

وفي جميع الحالات فإن الاستسلام لأحدهما أو كليهما سوف يترتب عليه حتمًا شلل في الطاقات الفاعلة لدى الفرد أو المنظمة، وقد يمتد إلى المجتمع بأثره؛ مما يصيبه بالتخلف في كافة مناحي الحياة.

مظاهر العجز والكسل الإداري:

ويمكن لنا هنا أن نبرز بعضًا من مظاهر العجز والكسل الإداري التي تشوب بعض الأفراد؛ وذلك ليتسنى لنا الوقوف على حقيقتهما ومن ثم إمكانية المعالجة..

فلعل من هذه المظاهر ما يتبدَّى في التسويف وتأجيل بعض الأعمال المهمة، فالطبيعي أن هناك دائمًا أمورًا ينبغي إنجازها في أوقات محددة، فإذا تأخرت عن هذه الأوقات باتت غير نافعة أو غير ذات جدوى، تمامًا كالذي يتأخر عن الانتهاء من مقالة في جريدة يومية، فتطبع الجريدة في الصباح وقد صار مكان المقالة فارغًا أو أبيضًا!!

وكذلك ما يظهر في عمل المهم وترك الأهم، أو عمل غير المهم وترك المهم، أو الاهتمام بالمفضول على حساب الأفضل، وكل بيئة عمل فيها هذه الترتيبات، فهناك دومًا أولويات، وهناك دومًا أشياء عاجلة وأخرى غير عاجلة، ومن مظاهر العجز والكسل هنا ترك العاجل والبدء في غير العاجل.

ومن مظاهر العجز والكسل كذلك ترك المدير مثلا الأعمال الجسيمة أو العظيمة أو القرارات الاستراتيجية المؤثرة في مستقبل منظمته ، وشغل الوقت بما هو تافه وقليل النفع أو عديم الفائدة ، أوالتفرغ للأعمال السهلة البسيطة التي لا تأخذ جهدًا ولا وقتًا والتي يمكن أن يؤديها من هو دونه في السلم الإداري ؛ فلقد رأينا في الواقع العملي كثير من مديري الإدارات العليا ظلوا منهمكين في العمل الروتيني التفصيلي اليومي الذي كانوا يتقنوه قبل ترقيتهم للمستويات العليا مما أصاب منظماتهم بشلل من وجهين ؛ الوجه الأول أنهم قد قاموا بنفس دور المستوى الأدنى فأصابوه بالشلل واتهموه بالعجز ودخلوا معه في نزاع أو صراع كثيرًا ما ينتهي بالتخلص من الأدني ، والوجه الثاني أن المنظمة أصبحت تسير مفتقدة لقيادة استراتيجية تحدد الرؤية وتضبط السير الكلي المستقبلي للمنظمة ، وتضبط البوصلة لتتحكم في ايجاد الميزة التنافسية للمنظمة ككل وتحافظ على استمراريتها ، ويترتب على ماسبق شلل استراتيجي حقيقي على مستوى المنظمة بدون داعي أو سبب حقيقي سوى عجز الإدارة عن أداء دورها الحقيقي الذي لايمكن أن يؤديه غيرها ؛ إما عن جهل، وإما عن وهم، وإما عن كسل ، وقد يجتمع كل ذلك معا وهذا هو الطامة الكبرى .

 ومن مظاهر العجز والكسل أيضا ترك السبيل الصعب والناجع، والتمسك بالسبيل السهل غير الناجع؛ فيتم اتخاذ القرارات السهلة وإن كانت غير صحيحة ، والتخلي عن القرارات اصعبة وإن كانت هي الصحيحة ، تحت ذريعة عدم تحمل أعبائها، أو عدم التأهل لها، أو أن هذا العمل يتطلب وقتًا كبيرًا وزمنًا طويلاً وموارد كبيرة ...الخ ؛ تمامًا مثل الرجل الذي يجلس ينتظر نزول المطر من السماء ليسقي زرعه، وما بين زرعه وبين الماء إلا خبطات بالفأس ليحفر قناة إلى موضع بستانه!!

ومن مظاهر العجز والكسل أيضًا الرضا بالدون أو القليل، أو الخضوع للأمر الواقع وعدم السعي إلى تغييره، تحت أي حجة أو أي سبب.

ومن جملة مظاهر العجز والكسل كذلك: تضييع الأوقات فيما لا فائدة منه، وعدم التعلم والتزود وتنمية المهارات، وضعف الطموح وضحالة الأهداف، والركون إلى شهوات النفس وحظوظها الدنيوية، وعدم التطلع إلى المعالي والتشوق إلى المراكز المرموقة، وانعدام المبادرة ولإقدام.. وغيرها كثير من المظاهر الدالة على العجز والكسل عند الإنسان.

وللأسف فلا مكان في هذه الحياة لخاملٍ ولا لعاجز ولا كسول، فمثل هؤلاء يفوتهم قطار الفرص التي تُبوءهم مجالس العظام .

وكما قال شوقي : وما ستعصى على قوم منال        إذا الإقدام كان لهم ركابا

            وما نيل المطالب بالتمني                ولكن تؤخذ الدنيا غلابا  

وكما قال يحيى بن كثير: "لا يُنال العلم براحة الجسم"؛ فلا يُنال التميز في الأداء والمنافسة ، ولا تُنال الأماكن المرموقة والوظائف العالية، وبالكلية لا ينال استحقاقية الوجود إلا مجاهد ومثابر!

يقول الشافعي رحمه الله:

وأبِيتُ سهران الدجى وتبيته                    نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي؟!

ولنا أن ننظر في أبيات جميلة ومعبرة للشيخ أحمد بن يحي النجمي رحمه الله وهو يعاتب فيها نفسه ويلومها على تقصيرها، فيقول فيها:

أُحيْمـدُ يا كسـولُ عن المعالي                ويا رقَّاد فـي سُـود اللّيالـي

تـرومُ المجـدَ مع كسلٍ وعجْزٍ                        أضعتَ العمرَ فـي طلب المحالِ

تشاغـلُ بالتـوافه ثم ترجـو                  لحاقاً معْ ألـي الهمم العـوالـي

فما إيثـارُك الـدنيـا بخيـر                   ولـو كان اصطناعـا للحـلالِ

وخيـر منه في الأخرى وأجدى                        بأن تحظى بخـدمة ذي الجـلالِ

فسلْه العـونَ إدمـاناً مُلحَّاً                     يحـبُّ اللهُ مِلْحاحَ السـؤال

علاج العجز والكسل:

لعل الجميع يبحث عن الدواء وعن العلاج الفعَّال الذي يستطيع من خلاله التخلص من داء العجز وداء الكسل..

ومهمٌ أولاً أن نُدرك أن العجز والكسل يمثلان داءً عضالاً وفتاكًا، لا يتمكن من إنسان إلا ويُجهز عليه..

ثم نُدرك ثانيًا أن علاج هذا الداء العضال وجهَّنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نَنهل من معينه، وهو الاستعانة بالله العلي القدير، والاستعاذة به سبحانه وتعالى صباح مساء من العجز والكسل..

ولعل البعض يعتقد أن هذا العلاج أمر سهل يسير، وهو بالفعل كذلك على من يسره الله له، ولكنه صعب بعض الشيء، وخاصة حين نعلم أن مفردات علم السلوك الإنساني في علاج السلبية وتطوير الذات لا تخرج ولا تبعد كثيرًا عما وجهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا ما أدركنا أولاً أنه داء فتاك لا يؤدي إلا إلى التأخر والتقزم، ثم أمكننا أن نقف عليه لدى أنفسنا؛ فإننا حينذاك نكون قد وضعنا أرجلنا على أول طريق العلاج الصحيح والفعَّال.

وأليق بالعبد الضعيف أن يلجأ إلى مولاه كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لعلاج العجز والكسل عنده، وقد وضح لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق - كما يروي الإمام مسلم في صحيحه – حين قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

يقول الإمام النووي في معنى "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ": "احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز، ولا تكسل عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة".

إذن فهذا هو أصل العلاج، طاعة الله عز وجل، والتقرب منه سبحانه، وطلب العون منه مدبر الأمر ومن بيده مقاليد السماوات والأرض، فما التوفيق وإصابة الحق إلا منه سبحانه وتعالى: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يفعل ذلك، ويستعين بالله ويتعوذ من العجز والكسل، كما أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يقول في دعائه: "أعوذ بالله من جَلَد الفاجر وعجز الثقة"، ومعنى الثقة هنا الرجل الذي وثق به الناس لعقله وخلقه وكفاءته، يتعوذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عجز هذا الرجل الكفء والمؤتمن والذي يمتلك المهارات المتعددة، ثم لا يقوم بحق ما أنعم الله به عليه، ليترك المكان خاليًا لغير المؤتمن وغير الكفء لكنه مثابر ومبادر!

وقد روى أبو داود في السنن عن عوف بن مالك أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

وهذا يعني أن الله عز وجل لا يرضى بالعجز، أو التقصير والتهاون في الأمور كما جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود، وهو معنى "يلوم على العجز"، ويحمد ويأمر بالكيْس، وهو عكس العجز، ومعناه - كما جاء في الكتاب المذكور أيضًا - الاحتياط والحزم في الأسباب.

ويؤكد ذلك ما رواه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، فَأَنِلْ مِنْ نَفْسِكَ الْجَهْدَ، فَإِنْ غُلِبْتَ، فَقُلْ: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

والأمر بعد يحتاج إلى نوع من التحدي ووقفة حاسمة مع النفس، وإلا فلن يبرح الإنسان مكانه ولن يتقدم أبدًا، وقد قيل: "ما لزم أحد الدَعَة (الراحة) إلا ذلّ، وحب الهوينا يُكسب الذل، وحب الكفاية (أي حب الاكتفاء بما عليه الإنسان وعدم الرغبة في الارتقاء) مفتاح العجز".

وقد يحتاج هذا التحدي إلى نوع من التدرب والتدرج والتدريب المستمر حتى يحصل الإنسان على مراده ويحقق طموحه وذاته، يقول صاحب كتاب الشخصية الناجحة: "فالنفس بحاجة إلى تمارين مستمرة وتدريب لا يتوقف... تدرب تدريبًا على مراس البطولة وأعمال البطولة، على الجد والاجتهاد، على التفكير والتأمل، على البحث والرويّة، على التقرير والمضي فيما تقرر، ومهما تكن إرادتك هزيلة رجراجة جازعة لا تلبث إذ تدربها أن تقوى وتشتد، وتفرض نفسها عليك لتفرض نفسك على الحياة والأحياء من بعد.. كن على ثقة تامة بأنك تملك خزائن كثيرة ومستودعات كبيرة بها من القدرات والطاقات والمواهب ما يؤهلك أن تصبح رجلاً عظيمًا، وإنسانًا خالدًا في التاريخ".

وقبل تحدي النفس ثم ممارسة التدريب والمران لك أن تنظر إلى قول الشاعر العربي المتنبي:

إذا غامرت في شرف مَرُوم             فلا تقنع بما دون النجومِ

فطعم الموت في أمرٍ حقير              كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

يرى الجبناء أن العجز عقل             وتلك خديعة الطبع اللئيمِ

وقول أبي القاسم الشابي:

ومن يتهيب صعود الجبال              يعش أبد الدهر بين الحفر

وإلى لقاء لاستكمال باقي المكبلات الثمانية وطرق التخلص منها،،،،،

www.almohamady.com

almohamady @almohamady.com

 

   
عدد التعليقات 7

1
Iktifa ala dunya afdal
كتب :Ishmael
بتاريخ: الاثنين 18 يوليو 2016 الساعة 07:56 مساءً
I am an electrical engineer and technology educator from Pakistan. I think Iktifa in dunya is good, because faragh(free time) is a blessing of Allah to worship Allah and remember Him. We should strive for irtiqa in deen.
2
رائعة اختياراتك لنا
كتب :رشا عاهد اسماعيل
بتاريخ: السبت 27 ديسمبر 2014 الساعة 09:39 مساءً
جميلة اختياراتك لنا دكتورنا الفاضل وواعجبني جدا الخاتمة التى انهت بها هذة المقالة وكانت في موضعها تماما وخاصة ان نختم بها حين اخترت ماقالة ابي قاسم الشابي وقول أبي القاسم الشابي: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
3
رائعة اختياراتك لنا
كتب :رشا عاهد اسماعيل
بتاريخ: السبت 27 ديسمبر 2014 الساعة 09:39 مساءً
جميلة اختياراتك لنا دكتورنا الفاضل وواعجبني جدا الخاتمة التى انهت بها هذة المقالة وكانت في موضعها تماما وخاصة ان نختم بها حين اخترت ماقالة ابي قاسم الشابي وقول أبي القاسم الشابي: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
4
رائعة اختياراتك لنا
كتب :رشا عاهد اسماعيل
بتاريخ: السبت 27 ديسمبر 2014 الساعة 09:39 مساءً
جميلة اختياراتك لنا دكتورنا الفاضل وواعجبني جدا الخاتمة التى انهت بها هذة المقالة وكانت في موضعها تماما وخاصة ان نختم بها حين اخترت ماقالة ابي قاسم الشابي وقول أبي القاسم الشابي: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
5
الفعالية الشخصية
كتب :Nagwa Afifi
بتاريخ: السبت 27 ديسمبر 2014 الساعة 08:24 مساءً
موضوع كله حماس ورقى بالسلوك الانسانى، والدعاءلله والتوكل على الله.شكرا لحضرتك.
6
السنة النبوية سر النجاح
كتب :محمد القاضي
بتاريخ: السبت 27 ديسمبر 2014 الساعة 09:27 صباحاً
أستاذنا الكريم د محمد المحمدي..تتحفنا دائما بتأملاتك العميقة في السنة النبوية لتخرج منها هذه اللقطات الرائعة في مجال الإدارة وتنمية الشخصية..أسأل الله سبحانه أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك..وأتمنى أن تجمع هذه المقالات وغيرها من مقالات السابقة في كتب وتنشر لتعم بها الفائدة..وفقك الله لكل خير ومتعك بالصحة والعافية وحفظك من كل سوء وجعلك مفتاحا للخير
7
دنيا ودين - فتح من رب العالمين
كتب :احمد محمود
بتاريخ: السبت 27 ديسمبر 2014 الساعة 01:40 صباحاً
جميل جدا جدا فتح الله عليك اسال الله ان ينفعنا بعلمك د. محمد المحمدى
أضف تعليق
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل حاصل جمع