حكمة اليوم

قرأنا لك

الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد

قائمة المراسلة
الاسم
البريد
الجوال

مشاهدة : 2929

د. المحمدي: المسلمون كان لهم السبق في علم الإدارة

حوار: عبد الله صالح

أصبحت كفاءة الأمم تقاس بامتلاكها الأساليب الإدارية الحديثة في العمل والإنتاج، والحركة الإسلامية التي تهدف إلى نشر الخير والحق للعالم لن تستطيع أن تحقق أهدافها دونما التسلح بالفكر الإداري الجاد حتى تستطيع أن تحقق ما تريد بأقل خسائر وأفضل نتائج.

ومن هذا المنطلق حرصنا على إجراء هذا الحوار مع أحد أساتذة الإدارة الإستراتيجية في الوطن العربي الدكتور محمد المحمدي الماضي - الأستاذ بكلية التجارة جامعة القاهرة قسم إدارة الأعمال - الذي حصل على شهادة الخبرات المهنية المتميزة 1994 من (ARTHUR D. LITTLE , Boston ,USA)، وجائزة الجامعة التقديرية في العلوم الاجتماعية والإنسانية فرع العلوم الإدارية.

وله عدة مؤلفات في الإدارة العامة والإستراتيجية مثل: إدارة الإستراتيجية الإعداد والصياغة، السياسات الإدارية، إدارة الإستراتيجية (مدخل المدير للقرن الـ 21)، إستراتيجية التغيير التنظيمي (مدخل إسلامي مقارن)، وقد حاولنا معه محاولةً لإيجاد حل لحالة التخلف الإداري الذي يعيشه المجتمع بشكل عام والحركة الإسلامية بشكل خاص، فإلى الحوار:

ظهرت الإدارة حديثًا في الغرب وقد ساعدت كثيرًا في نهضتهم، فلماذا تأخر المسلمون عمومًا والحركة الإسلامية خصوصًا عن امتلاك هذا العلم؟

** ربما يذهل الكثيرون عندما يعلمون حقائق الأمور في الجانب الإداري، ليس فقط على مستوى السلوك، وإنما أيضًا على مستوى الفكر.. في أن المسلمين كان لهم السبق قبل الغرب بقرون في تأصيل وتطبيق الإدارة في الحياة، وقد ظهرت هذه الكتابات منذ مئات السنين مثل (التراتيب الإدارية في الحكومة النبوية) للكتاني، و(الأحكام السلطانية) للمواردي، و(السياسة الشرعية) لابن تيمية وابن القيم، كما أن الحسبة تتناول الفكر الإداري بصورة مباشرة، وغير ذلك الكثير.

إضافةً إلى أن مصادر التشريع الإسلامي الأساسية - متمثلةً في القران الكريم والسنة النبوية - مليئةٌ بالمبادئ والقيم والأُطُر والأسس التي تحكم أي فكر إداري متميز، لكن للأسف لم يتوقف أحد بشكل علمي لاستخراج هذه الكنوز، رغم كثرتها وشمولها، فالإدارة من العلوم الاجتماعية التي تتناول سلوك البشر والتي نزل القرآن لإصلاحه.

مع كل هذا تخلف المسلمون كثيرًا في هذا الجانب؟

** هذه المشكلة حدثت منذ انفصال العلم الشرعي عن العلوم الدنيوية، والذي بدأ بالأزهر فأصبح العالِم المسلم المتخصص في العلوم الشرعية منفصلاً بصورة كبيرة عما يجري في العلوم الأخرى والعكس، فالعالم المتخصص في العلوم الطبيعية والاجتماعية منفصل عن الرؤية الإسلامية بصورة شبه تامة.

وظهور هذا الفشل يتمثل في عاملين رئيسين، هما: الفشل العام في أمور الحياة، خاصةً التخلف الإداري في المؤسسات الاقتصادية، وضعف الالتزام العام بالفكر الإسلامي، والانفصال بين السلوك الإسلامي والشريعة؛ حيث حُصِر الإسلام في شعائر وعبادات خالية من أهدافها، ومن الدروس الإدارية مثل إدارة الوقت، فلا هُم أخذوا بالفكر الإسلامي ولا هُم أخذوا بالمنطق الغربي الذي يقوم على المنطق العلمي والتجربة والخطأ، ووصلوا إلى احترام الإدارة التي هي من سنن التمكين والاستخلاف، وقد عرف المسلمون ذلك منذ غزوة أحد؛ حيث إن الهزيمة لسبب إداري بحت، وهو عدم انضباط مجموعة من الرماة بالتعليمات والأمور التي أعطيت لهم في أول الغزوة، فاجتهدوا في غير موضع الاجتهاد؛ ولذلك فسنة الله أن الأمم العظيمة لا تُبنى على الفوضى، والله لا يحابي أحدًا ولو كان رسوله.

ما زال الكثير يعتقد أن الإدارة غير ذات أهمية لدينا رغم اهتمام العالم أجمع بهذا الجانب فلماذا؟

** للأسف، عانينا في البلاد العربية فترةً طويلةً من الفكر الشمولي في إدارة المؤسسات المختلفة، بل وإدارة الحياة نفسها، فأقدارنا تظل معلقة بمدى كفاءة من سيتولى الأمر، وكلٌّ بما حباه الله من موهبة؛ ولذلك نعاني دائمًا من أن كل مسئول يعتمد على أسلوب التجربة والخطأ، إضافةً إلى أننا دائمًا ما نكرر أخطاءنا، وإن كان في الفترة الأخيرة بدأ المجتمع يتخلَّص من هذا الفكر عندما ظهرت المنافسة الاقتصادية، وأن المؤسسة التي لن تأخذ بالأساليب الإدارية الحديثة سوف تتعرض للانهيار، لكن ما زلنا نحتاج الكثير والكثير.

وهل الحركة الإسلامية تعاني من نفس الأخطاء الإدارية الموجودة في المجتمع؟

** الحركة الإسلامية هي جزء من المجتمع، لا بد أن تتأثر به وإن كانت أخف وطأةً منه؛ حيث إنها تحاول أن تلتزم بالمثالية الإسلامية في المعاملات والأمور الإدارية.. لكن بشكل عام تظل قضية عدم الإحساس بأهمية الإدارة سمةً غالبةً على الكثير، ونحن في حاجة ماسة إلى تغيير هذه القناعات.

 كيف يمكن للحركة الإسلامية أن تغير تفكيرها إداريًّا؟

** المجتمع الذي نعيش فيه تتسابق المؤسسات الغربية على تقديم معونات بالملايين لمؤسسات المجتمع المدني فيه لتأهيل وتدريب هذه المؤسسات على العمل الإداري الصحيح؛ وذلك لأهداف عدة، منها: تكوين صفوف تدين لهم بالولاء والانتماء؛ ولذلك خَلقت هذه المؤسسات نوعًا من المنافسة داخل المجتمع، فالجماعات المنظَّمة الآن أصبح واجبًا عليها الأخذُ بقواعد وأساليب الإدارة، والمسلم بطبعه منظم أكثر من غيره، فلم يعد يصلح في العمل الإسلامي مجرد العمل التدافعي الارتجالي، وبذلك أصبح تعلم الإدارة بمفهومه العام المساعد لأفراد الحركة الإسلامية على تبليغ الدعوة بصورة صحيحة فرضَ عين، وليس التعلم مقصودًا في حد ذاته وإنما من أجل تحويل هذه المفاهيم لسلوك وممارسة عملية تبتعد عن التجربة والخطأ، كما أنه أصبح ضروريًّا لأي مؤسسة تهدف إلى الربح والمنافسة في عالم اليوم.

لكن أي نوع من المفاهيم الإدارية يتعين على الدعاة وأفراد الحركة الإسلامية تعلمها وإدراكها؟

** كل مؤسسة أو مهنة أو مسئولية لها وسائلها الخاصة للتنمية الإدارية، وفي عالم الغرب لا يصل أي مدير إلى تولي منصب معين إلا بعد الحصول على شهادة معترَف بها هناك، تسمى mba، وهي ماجستير مهني في الإدارة؛ ولذلك فهناك مفاهيم عامة في الإدارة يجب على الجميع تعلمها، وهناك ما يسمي بالمهام الإدارية لكل وظيفة على كل فرد يقوم بعمل إداري سواء صغير أو كبير تعلمها؛ حتى يكون مؤهلاً لها، وقد برز ذلك في المجتمع الإسلامي الأول في عهد النبي، فكان لا يولِّي أحدًا مسئوليةً إلا المؤهَّل لها.. والقائد الناجح هو الذي يستطيع أن يُدير الأفراد الذين معه لتحقيق أهداف مؤسسته بكفاءة عالية، وهذا ما برع فيه النبي- صلى الله عليه وسلم.

يقال إن الداعية الناجح لا بد أن يكون مديرًا وقائدًا ناجحًا.. فهل هذا صحيح؟

** يجب أن نفرِّق بين داعية يقوم بعمل فني فقط، مثل الشيخ كشك- عليه رحمة الله- أو الأستاذ عمرو خالد وأمثالهما، وبين من يقوم بعمل إداري ما، فالنوع الأول لا يتطلب أن يكون مديرًا ناجحًا أكثر من امتلاكه الوسائل الدعوية الناجحة، أما النوع الثاني فيتطلب الإلمام بالمفاهيم الدعوية العامة بجوار مهام عمله الدعوي الذي يقوم به، أما القيادة فهي جزء من الإدارة، وهناك فرق كبير بين المدير والقائد، فالقيادة هي فن التأثير في الآخرين، وهي تتطلب مجموعةً من السمات الخاصة في الفرد، والقائد يستمد سلطتَه من حب الجماهير له، أما المدير فهو يستمد سلطته من سلطته الوظيفية، وحتى يتضح الأمرُ فيجب أن نوضح المنظومة الإدارية التي يجب على الحركة الإسلامية تعلمُها وتطبقها في السير بالدعوة؛ حيث إن أي مؤسسة أو هيئة اليوم تريد أن يُكتب لها النجاح والاستمرار تتعلم ذلك جيدًا، فملخص العملية الإدارية تتكون من أربع مصلحات رئيسية، هي: التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة.

والداعية يجب أن يدرك ذلك تمامًا، فالتخطيط يعني تحديد هدف مستقبلي، ووسيلة تحقيقه، مع ملاحظة أن يتم ذلك في ضوء الإمكانيات الداخلية من قوة، وضعف، والظروف الخارجية المحيطة بما فيها من فرص، وتهديدات.

والتنظيم يعني التقسيم (تحديد السلطات والاختصاصات للأفراد)، والتنسيق بين السلطات والمهام، وأي خلل في أي تنظيم يرجع لأحد عنصري التنظيم.

أما التوجيه فهو: التحفيز والدافعية، مثل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) ]الأنفال: من الآية 65 [ والقيادة التي يجب أن يتميز بها الداعية عن غيره، والاتصالات بين الأفراد (كيف تنقل المعلومات من أسفل لأعلى والعكس ووسائل الاتصال)، وأخيرًا الرقابة التي تعني وضع معايير للرقابة، ووضع مقاييس للأداء.. تلك ببساطة هي العملية الإدارية التي نطالب أي داعية بمعرفتها والعمل بها؛ حتى يستطيع تحقيق ما يريد بكفاءة جيدة.

معروف أن مصطلح الإدارة الإستراتيجية حديث نسبيٌّ حتى في الغرب، وبصفتك أحد الأساتذة القلائل المتخصصين في هذا الفرع.. هل الحركة الإسلامية في حاجة إليه الآن؟

** في أي منظمة إدارية يكون فيها مستويات مختلفة للإدارة: مستوى إداري أعلى، ومستوى إدارة وسطي، وإدارة مباشرة أو إشرافية، والإدارة الإستراتيجية هي الإدارة العليا لأي مؤسسة، وهي تنظر للمؤسسة نظرةًَ شاملةً من كل جوانبها، فينبثق عنها أُفُق الرؤية للمؤسسة ومستوى الممارسة فيها، فهي بمثابة العقل الأساسي لأي منشأة لا يمكن أن تبدأ بداية صحيحة إلا بالعقل الإستراتيجي، والمثير أنني حين كنت أبحث في جوانب هذا الفرع وجدت أن المسلمين الأوائل كانوا يطبقون الإدارة الإستراتيجية في كافة المجالات، ولكن للأسف تخلَّفنا في كل شيء فسبقَنا الغرب، وتعلم من أجدادنا هذا الفرع، ثم أصَّل له كعلم أو فرع من علم، والمسلمون عمومًا والحركة الإسلامية خصوصًا في أشد الحاجة إليه.

لو أردنا بشكل مبسط أن نتعرف على الإدارة الإستراتيجية.. فماذا نقول؟

** يمكن تحديد الإدارة الإستراتيجية في ثلاث كلمات رئيسية: صياغة الإستراتيجية، وتطبيق الإستراتيجية، والتقييم والرقابة، وهي مراحل مترتبة على بعضها، فأي مؤسسة أو حركة تبدأ في التخطيط إستراتيجيًّا لنفسها بصياغة هذه الإستراتيجية والتي تشمل تحديد رسالة المؤسسة (من هي؟ وبماذا تدعو؟ والجمهور المستهدف، والأسلوب في الدعوة)، ورؤية القيادة لتحقيق ما تريد، وتحليل البيئة الداخلية والخارجية، ووضع الأهداف الإستراتيجية في ضوء ما سبق، ثم تحديد الإستراتيجية (وسيلة تحقيق الهدف الإستراتيجي)، وكل ذلك كان واضحًا بالنسبة للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقاموا به منذ أكثر من 14 قرنًا، وحتى يكون الأمر أكثر وضوحًا فلو ضربنا مثالاً بغزوة مؤتة، فسيدنا خالد عندما درس الوضع الخارجي فوجده تهديدًا، والوضع الداخلي فوجده ضعفًا، فوضع هدفًا إستراتيجيًّا وهو الحفاظ على القوات، فحدد إستراتيجيته أو وسيلةَ تحقيق هدفه، فكانت الإستراتيجية هي الانسحاب بأفضل أسلوب وبأقل خسائر.

ثم تأتي المرحلة الثانية وهي تطبيق الإستراتيجية، وهي تتطلب وضع الآليات والمتطلبات لوضع الإستراتيجية موضع التطبيق بشكل ناجح، أي وضع الأهداف التشغيلية والسياسات والضوابط وتخصيص الموارد، وإعادة التنظيم بالشكل المناسب، والمشكلة غالبًا ما تحدث أن تُصاغ الإستراتيجية بشكل جيد.. لكن تكون غير مناسبة للتطبيق أو أن التطبيق يكون جيدً لكن الإستراتيجية أصلًا ضعيفةٌ فلا تؤدي ما هو مطلوب منها، وإذا كانت عبقرية سيدنا خالد قد برعت في صياغة إستراتيجيته فإنها قد تجلَّت في تطبيق هذه الإستراتيجية من خلال تحديد سيناريو الانسحاب من تغيير للأوضاع القوات ثم الانسحاب وإيهام العدو أنه كمين فلم يتبعه حتى أتم الانسحاب.

ثم تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة في الإستراتيجية وهي مرحلة التقييم في ضوء منظومة الوضع الإستراتيجي وهي: الاختيار الأفضل للإستراتيجية في ضوء الظروف الداخلية والخارجية والتطبيق بشكل صحيح؛ ولذلك أصبح من الخطأ الكبير على الحركة الإسلامية ألا تأخذ بالإدارة الإستراتيجية في كافة الشئون الدعوية، خاصةً ما يتعلق بالأمور الفنية والإدارية.. فهذا العلم الذي يعتبره الغرب أنه حديث النشأة ولهم الفضل في إنشائه كان يطبَّق منذ نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم.

لكن البعض ما زال يرى أن الدعوة تسير بقدر الله؛ ولذلك فإذا ما حدثت أخطاء فإن الله قد أراد لدعوته ذلك، وهذه الأخطاء من قدر الله، وهي من قبيل الابتلاء.. فما رأيك؟

** كما قلنا.. إن لله سننًا في كونه تسير على المسلم والكافر، وهي الأسباب، وتلك ليس لها علاقة بالابتلاء، فمن أخذ بأسباب كتب له النجاح ولو لم يكن مسلمًا، ومن لم يأخذ بها تخلف ولو كان من المقربين، فالله لا يحابي أحدًا، وكما أشرنا فإن المسلمين انهزموا في أُحُد مع أن رسول الله كان معهم؛ لأنهم تركوا جزءًا من الأسباب الإدارية، والآن المنظمات التي تهدف للربح تهدف إلى الأخذ بنظام الإدارة الإستراتيجية، وما انحرفت كثير من الجماعات التي كانت تطلق على نفسها إسلامية عن منهاج الإسلام الصحيح إلا لغياب أحد جوانب الرؤية الإستراتيجية، وهناك بعض هذه الجماعات قد تلاشت بسبب غياب فكر إستراتيجي كامل لها ولرسالتها ورؤيتها ومنهاجها..

وفي هذه الحالة تظهر كثير من التصرفات الفردية التي تضر أكثر مما تنفع، إضافةً إلى أن منظمات كاملةً أو جماعات بأكملها قد استدرجت لانهيارها من المخابرات الغربية دون أن تدري أو ترى، بسوء نية أو بحسن نية؛ وذلك لغياب الإدارة الإستراتيجية، فلا نجعل قدر الله والابتلاء "شماعةً" للأخطاء والتقصير وعدم الأخذ بالأسباب، وإلا فما الفارق بينهم وبين باقي أفراد المجتمع.

فلنتقِ الله في إسلامنا.. فالمسلمون على مر التاريخ برعوا في هذا الفكر، وما تخلَّفنا إلا بعد أن تركناه.

   
أضف تعليق
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل حاصل جمع