رسالة المنظمة دراسة تطبيقية على الشركات المصرية مقارنة بالشركات الأجنبية العاملة فى مصر

 رسالة المنظمة

دراسة تطبيقية على الشركات المصرية

مقارنة بالشركات الأجنبية العاملة فى مصر

أ.د. محمد المحمدي الماضي

كلية العلوم الإدارية

جامعة القاهرة

 

نشر هذا البحث في المؤتمر الثاني للاتجاهات الحديثة في الإدارة، اللجنة العلمية الدائمة لإدارة الأعمال، (المجلس الأعلى للجامعات ، إبريل 2000 وكان ذلك بعد حوالي 10 سنوات من صدور أول مؤلف لي في "إدارة الاستراتيجية ، حيث نشر ولأول مرة باللغة العربية فصلا كاملا عن موضوع الرسالة ، ومن خلال التواصل مع طلابي في مرحلة البكالريوس والدراسات العليا طوال تلك المدة وجدت تفاعلا شديدا مع هذا الموضوع ، وكعادتي في التدريس أقوم بدفع الطلاب – حتى في مرحلة البكالريوس – بالتطبيق العملي لمكونات نموذج الاستراتيجية على واقع الممارسة في مصر.

            وكان من الموضوعات التي استغرقت دراستها حوالي خمس سنوات متصلة وعلى نطاق واسع ( من 1995 : 1999) وبمشاركة مئات الطلاب ولمئات الشركات كان هذا الموضوع الذي أثمر عن هذه المرقة التي قدمت في ذلك المؤتمر حينها وحازت على قبول واسع من كافة المشاركين في المؤتمر حينئذ، لبساطة فكرتها ، وبساطة أسلوبها، وباعتبارها أول دراسة استكشافية في موضوعها على الإطلاق.

 

مقدمة:

          لقد أخذ الفكر الإدارى الإستراتيجيى يتبلور بشكل واضح وملحوظ فى السنوات العشر الأخيرة، ونتج عن ذلك ما يسمى بالإدارة الإستراتيجية Strategic Management كمنهج متكامل له مؤلفات فى شكل كتب ومجلات متخصصة وأقسام فى كثير من الجامعات العالمية. بالإضافة إلى تدريسه فى كافة الأقسام للسنوات النهائية فى كليات التجارة .

          ولم يعد هناك بديل أمام أى مؤسسة تريد التميز أو البقاء فى عالم الأعمال اليوم من أن تدرس وتطبق هذا المنهج فى إدارتها لأعمالها.

          وهو ما تأخذ به الشركات العالمية الكبرى الأكثر نجاحاً والتى تريد أن تحذو حذوها. ويتكون هذا النموذج بشكل أساسى من عدة مراحل يمكن تلخيصها بإيجاز فى ثلاثة هى : صياغة ووضع الإستراتيجية Formulation والتطبيق Implementation والرقابة والتقويم (David 1995) ولقد تعرضت كافة مراحل هذا النموذج للعديد من الدراسات معظمها باللغة الانجليزية وقليل منها باللغة العربية إلا أن من أكثر الأجزاء التى لم يتم التعرض لدراستها عمليا بما تستحقه من أهمية هى رسالة المنشأة Mission Statement .

          هذا بالرغم من أن كافة الأدبيات التى تتناول موضوع الإدارة الإستراتيجية تؤكد على أهميتها القصوى فى بداية أى ممارسة حقيقية للإدارة الإستراتيجية باعتبارها الموجه الأساسى لكافة العاملين فى المنشأة بعد ذلك لانجاز كافة مراحل النموذج التالية، من تحديد الأهداف أو

الإستراتيجيات وآليات التطبيق أو التقييم والمتابعة.

          ولقد أصبح هناك إطار عام تبلور فى خلال السنوات الخمس الماضية حول مفهوم الرسالة وأهميتها وأسلوب صياغتها وتقويمها وتفعيلها بحيث أصبح من المألوف أن تجد لكل شركة من الشركات العالمية مهما كان حجمها رسالتها التى تميزها من الشركات المنافسة وتوضح هويتها أمام عملائها ووجهتها وأسلوب عملها ... الخ .

          وإذا كان هذا الموضوع قد نال اهتماما بالغا لدى كل من كتب فى إدارة الإستراتيجية إلا أنه لم يلق نفس الاهتمام من جانب الباحثين فى جانبه العملى والتطبيقى.

          وهو ما آثار العديد من الاسئلة أمام الباحث أهمها:

هل تعرف الشركات المصرية مفهوم الرسالة ؟

وهل تقوم بكتابة رسالة لها ؟ وبأى مسمى ؟ وبأى شكل أو محتوى ؟

          وهل يتم تفعيل مثل هذه الرسالة إن وجدت فيتم توصيلها ونشرها لكافة العملاء (داخليا وخارجيا) Stalkholders ؟ وكيف يتم ذلك النشر؟ وبأى وسيلة ؟

          وهل تختلف شركات قطاع الأعمال العام والخاص المصرية فى ذلك عن الشركات الأجنبية العاملة فى مصر؟ مثل هذه الاسئلة المهمة حول موضوع الرسالة لا تزال بلا إجابة فى بيئة الأعمال المصرية ولم يتم إجراء أبحاث تذكر فى هذا الأمر رغم أهيمته التى لا يختلف حولها.

          وهو ما حدا بالباحث فى التفكير فى هذا البحث وذلك كمحاولة لسد هذه الثغرة ولفتح الطريق للمزيد من الأبحاث أمام الباحثين ولتوجيه نظر الشركات والممارسين إلى إستكمال هذا الجانب لديهم إن كان فيه نقص.

          خاصة ونحن نستعد للدخول فى قرن جديد تزداد الظروف البيئية فيه حولنا تحديا وتهديدا يوما بعد يوم بما لا يجعل فيه فرصة إلا لمن يأخذ بأسباب التفكير العلمى الإدارى السليم لكى لا يمتلك فقط زمام الحاضر بل وليعمل على إعادة صياغة المستقبل بما يحقق أهدافه ومصالحه.

          وسوف يتم ذلك من خلال استعراض الأدبيات المتعلقة أولا بموضوع الرسالة Mission وما كتب حولها سواء فى الأدبيات الأكاديمية أو الدراسات الميدانية التى تمت حولها إن وجدت ثم يتم فى ضوء ذلك صياغة فروض البحث وأسلوبه، وتوضح النتائج الميدانية التى أجريت على (924) شركة تعمل فى البيئة المصرية فى كافة القطاعات والمجالات من قطاع الأعمال العام والخاص والأجنبى وذلك خلال السنوات الخمس الماضية (منذ عام 1995 وحتى عام 1997) ثم يتم بعد ذلك مناقشة هذه النتائج واستخلاص أهم التوصيات.

مراجعة الأدبيات Literature Review

أ- الإدارة الإستراتيجية ورسالة المنشأة :

          تدور الكتابات الخاصة بالإدارة الإستراتيجية حول ثلاثة موضوعات رئيسة وهى:-

1- أهداف المنظمة Objective .       2- الإستراتيجية Strategy .

3- رسالة المنظمة Mission (Abell, 1980 & Neil 1987) وتزخر المراجعة والدوريات بالكتابات التى تغطى المجالين الأول والثانى بنيما لم يتم تطوير الأطر النظرية المتكاملة لصياغة رسالة المنظمة وإبراز دورها فى تخصيص موارد المنظمة وتوجيه قراراتها وبالتالى تعظيم أدائها (Abell 1980, Byars & Neil, 1987) .

          وبالرغم من أهمية الإدارة الإستراتيجية بمكوناتها المختلفة وأثرها على أداء المنظمة وبالرغم من انتشارها إلا أن هذا الانتشار لم يصحبه اتفاق تام على ترتيب هذه المكونات وظهرت وجهتى نظر متنافستين:

 الأولى وهى التى شاعت فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ونرى أن خطوة البداية فى عملية الإدارة الإستراتيجية هى القرار الخاص بتحديد وصياغة أهداف المنظمة كالحصة السوقية وغيرها ثم صياغة الإستراتيجيات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف .

          أما وجهة النظر الثانية – والتى سادت من منتصف السبعينيات وحتى الآن- والتى ترجع أساسا إلى مبادئ وأفكار (peter Drunker) الملقب بأبو الإدارة الحديثة والذى تعتبره مجلة جامعة هارفارد أعظم مفكر إدارى فى العصر الحاضر (David 1995) فيرى أن رسالة المنظمة هي الوجه الآخر للسؤال الخاص بتحديد ما هو مجال عمل المنظمة والذى يعكس الغرض الذى يميز المنظمة عن غيرها من المنظمات الت تعمل معها فى نفس المجال وتعتمد وجهة النظر هذه على أن تحديد رسالة المنظمة هى أولى خطوات عملية الإدارة الإستراتيجية وبناء عليها يتم صياغة أهداف وإستراتيجيات المنظمة بعد ذلك.

          معنى هذا أن المدخل الثانى يركز على ضرورة البدء بتحديد رسالة وغرض المنظمة حيث أن غرض المنظمة أو رسالتها يتضمن الإجابة على عدد من الاسئلة المحورية أهمها من نحن كمظمة Who are we وماذا سنفعل وما هو مجال النشاط الذى سنعمل فيه ؟ What will we do ولمن سنقدم منتجاتنا أو خدماتنا؟ وما هى فلسفتنا وقيادتنا لانجاز هذا العمل؟

          وتكون الإجابة على هذه الاسئلة بمثابة تحديد رسالة المنظمة واختيار مجال عملها الحالى What is our business والمستقبلى ؟ What will it be وما يجب أن يكون عليه فى المستقبل What should it be وما هى المبادئ والفلسفات التى ستحكم وتوجه الأداء داخل المنظمة وما هى قيمها Values التى تؤمن بها لكسب عملائها فى الصناعة التى تعمل فيها (Aaker, David 1988).

          ويشار للرسالة على أنها تحديد لمجال عمل المنظمة Scope of Business أو غرضها Purpose أو فلسفتها Phitosophy أو مبادئها Principles Creed أو قيمها  معتقداتها أو  Biliefs

A declaration of attitude and  outlook أو تحديد للأمور وليست مجرد وثيقة تتضمن مجموعة من التفاصيل المحددة فقط، إن الرسالة تعكس رؤية المنظمة طويلة الأجل.

والتي تحدد ما يجب أن تكون عليه المنظمة في المستقبل , ومن هم العملاء الذين تخدمهم هذه المنظمة .

وبالرغم من الأهمية الاستراتيجية لتحديد وتعريف رسالة المنظمة باعتبارها الخطوة الأولى التي يترتب عليها باقي خطوات عملية الإدارة الاستراتيجية إلا أن مراجعة الدراسات السابقة أوضحت أن الإطار الفكري لرسالة المنظمة وإبراز أهميتها يعاني مما يلي :

أولا : لا يتمشى الإطار الفكري لصياغة رسالة المنظمة مع التطورات التي حدثت لباقي مكونات الإدارة الاستراتيجية وظل موضوع تحديد رسالة المنظمة واختبار مجالها متخلفا عن باقي هذه المكونات .

ثانيا : هناك اختلاف بين الباحثين والممارسين على إسم واحد لرسالة المنظمة حيث يلاحظ وجود استخدام مسميات كثيرة للرسالة مثل ميثاق المنظمة وغرض المنظمة, معتقدات المنظمة , فلسفة المنظمة , مبادئ المنظمة , تحديد مجال عمل المنظمة

ثالثا : هناك بعض المنظمات التي لديها رسالة مكتوبة بينما البعض الآخر لا يوجد لديها رسالة مكتوبة وهناك منظمات لا يوجد لديها رسالة أصلا وأخيرا هناك بعض المنظمات التي لديها رسالة مكتوبة ومنشورة ويعكس هذا اختلاف وجهات النظر لأهمية الرسالة .

رابعا:هناك اختلاف في صياغة رسالة المنظمة في حالة المنظمات التي لديها  رسالة مكتوبة , وهناك وجهتي نظر في ذلك , الأولى صياغة الرسالة من منظور إنتاجي , والثانية من منظور تسويقي يعكس احتياجات المستهلك ورغباتهبحيث لا يركز على المواصفات المادية للمنتج فقط

خامسا: هناك اختلاف بين صياغة الرسالة من منظور عاموواسع أو من خلال منظور ضيق .

وبرغم أوجه القصور السابقة فإن جهود الباحثين والممارسين لم تتوقف خلال السنوات الأخيرة لتطوير رسالة المنظمة  باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الإدارة الاستراتيجية فكلما كانت الرسالة واضحة أدى هذا إلى زيادة فاعلية باقي مكونات الإدارة الاستراتيجية وبالتالي أداء المنظمة .

ب) فلسفة صياغة الرسالة واحتياجات المستهلك في الأجل الطويل :

الرسالة هي نص مكتوب يعكس غرض المنظمة الثابت والباقي وهي بمثابة وثيقة رسمية تؤكد سبب قيام المنظمة .والمنظمة كالأسرة خلقت كي تبقى إذا استطاعت تحقيق رسالتهابنجاح.

وقد تكون رسالة المنظمة واضحة في البداية . ولكن بمرور الوقت قد تصبح هذه الرسالة غير واضحة كلما كبرت المنظمة وأضافت منتجات وأسواق جديدة . أو قد تظل الرسالة واضحة لكن قد تكون قاصرة على تمكيتن المنظمة من التعامل مع الظروف البيئية المتجددة والمتغيرة دائما .

وعندما تحس الإدارة أن المنظمة بدأت تنحرف عن مسارها فلابد ان تجدد بحثها عن غرض أو رسالة جديدة , ولابد من طرح الأسئلة التالية :

ما هو مجال عمل المنظمة؟ من هم عملاء المنظمة ؟ ما الذي يقدره ويقيمه العملاء في منتجات الشركة ؟ ما هو مجال عمل المنظمة في المستقبل ؟ ماذا يجب ان يكون عليه مجال عمل المنظمة ورسالتها ؟

وتعتبر هذه الأسئلة البسيطة من أخطر الأسئلة التي تواجه المنظمة ؟ والمنظمات الناجحة فقط هي التي تطرح دائما هذه الأسئلة وباستمرار والإجابة عليها بحرص وبكل دقة .

في الماضي كانت معظم المنظمات  تصيغ رسالتها من منظور المنتج المقدم " نحن نصنع الأثاث مثلا " أو منظور تكنولوجي ´نحن شركة للعمليات الكيماوية " لكن الاتجاه الآن هو صياغة الرسالة من منظور السوق الذي تخدمه المنظمة وحاجات عملائها حيث أن صياغة الرسالة من منظور تسويقي أفضل من صياغتها من منظور إنتاجي أو من منظور تكنولوجي لأن المنتجات وأنواع التكنولوجيا المستخدمة عادة ما تصبح متقادمة بمرور الوقت لكن حاجات العملاء قد تظل طول العمر حيث إنها تدور حول إشباع حاجات العملاء الأساسية , فشركة مثل زيروكس من الأفضل أن تكون رسالتها تدعيم المنظمات كي تكون أكثر إنتاجية من حلال مساعدتها في تصوير وتخزين واستدرجاع وتوزيع وإرسال ونشر مستنداتها بدلا من أن تصاغ رسالة الشركة على أنها شركة لإنتاج آلات التصوير وأجهزة الفاكس , كما أن شركة AT&T تعمل في مجال الاتصالات وليس في مجال التليفونات .

ويختلف المفهوم التسويقي كلية عن المفهوم الإنتاجي والتكنولوجي فالمفهوم التسويقي لصياغة الرسالة يخلق لدى العاملين بالمنظمة إحساسا أنهم يقدمون شيئا مفيدا للعميل يساعد في حل مشاكله وتطوير أدائه وليس مجرد منتجات مادية فقط , وهذا يحقق للشركة رضاء مستمرا لعملائها لأنها تركز في المقام الأول على إشباع حاجاتهم وحل مشاكلهم .

ويرى ( Drucker,1974) أن فشل الإدارة في الإجابة على السؤال الخاص بتحديد ماهو مجال النشاط الذي ستعمل فيه المنظمة ؟ يعتبر من أهم أسباب فشل المنظمات وإنخفاض أدائها و عندما يكون مجال النشاط او مجال عمل المنظمة ورسالتها غير مفهوم فإنه يصعب إيجاد أساس قوي يتم بناءا عليه تحديد أهداف المنظمة واستراتيجيتها .

أن رسالة المنظمة لا تحدد من أسمها أو من واقع قانونها الأساسي أو من خلال وضعها في السمشاكل تحديد رسالة المنظمةوق لكنها تتحدد من واقع الرغبات والمنافع التي يحصل عليها العملاء غندما يشترون منتجات أو خدمات المنظمة وعلى هذا فإن إشباع العميل هو غرض ورسالة كل منظمة  .

و يدعم هذا كل من (Birch & Robins,1994)حيث خلص إلى ان هناك اتجاهين حديثين بدأا يشكلان صياغة الرسالة و هما :الحساسية تجاه رغبات و حاجات العملاء , و الاهتمام بالجودة . و على هذا فلا بد من تحديد و صياغة مكونات الرسالة جيدا كخطوة أساسية أولى من خطوات عملية الادارة الاستراتيجية حيث أن الرسالة المصاغة  جيداً مثل اليد الخفية التي تقود اللأفراد داخل المنظمة لكي يعملوا بطريقة مستقلة و في نفس الوقت تعاونية من أجل تحقيق اهداف المنظمة.

 لتحميل المقال كاملا:


جميع الحقوق محفوظة