الإستراتيجيات الموجهة بالقيمة تأليف أ.د. محمد المحمدي |
|
مقدمة عن جزء للتعريف بأهم مقالاتي المرجعية التي تقدمت بها للجنة العلمية الدائمة لترقية أساتذة الإدارة،ورغم أنها تناولت موضوعا جديدا بالمرة حينئذ (2000 م) إلا أنني أعتقد أنه لم يعقب ما كتبته متابعات باللغة العربية حتى الآن رغم أهمية الموضوع وما ناله من زخم باعتباره توجها جديدا في الفكر الإداري الاستراتيجي يغفل عنه كثيرون ... والآن مع مقدمة المقال:
الإستراتيجيات الموجهة بالقيمة: لاتخاذ القرارات
بين يدى البحث: حينما أخبرت بعنوان هذا البحث بعد اجتماع اللجنة العلمية الدائمة لإدارة الأعمال في جلستها المنعقدة في كلية التجارة جامعة القاهرة مساء السبت 4/2/2001، أصابني نوع من الذهول والدهشة.. ما هذا العنوان الغريب؟ وما هو المقصود من ورائه بالضبط؟ وما هو ما يقابله في اللغة الإنجليزية؟ أسئلة كثيرة بلا إجابة من أي شخص، حتى أنني ظللت فترة لا أتذكر العنوان إلا بعد استخراج ورقة كتبته فيها. ليس هذا فحسب بل حينما كان يسألني أي زميل أو أستاذ من أساتذة الإدارة المتخصصين عن الموضوع الذي كان من نصيبي، واذكر لهم العنوان، كانت الدهشة التي ترسم على وجوههم لا تقل عن تلك التي عانيتها حينما علمت لأول مرة. وكنت كثيرا ما أسمع لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا إليه راجعون. هكذا كانت البداية التي جعلتني أعيش في تحد لمعرفة هذا اللغز وسبر أغواره. فأخذت بقاربي المطاط البكر إلى بحر لجي عميق أريد أن أصطاد فيه ما يشبه العنقاء. وتذكرت حينما طلب من عنترة بن شداد في قديم الزمان مهرا لمحبوبته عبلة أن يحضر مائة من النوق الحمر العصفورية والتي لا يملكها إلا ملك الحيرة حينئذ، النعمان بن المنذر، غير أنه يعرف ما يريد، وأنا لا أدري كنهه أو أبعاده. ولم أكد أنم لمدة حوالي 48 ساعة حتي رزقني الله بالصيد الذي لم أكن أتوهمه، وبعد الخوض في بحار الإنترنت، وخاصة مكتبة كلية التجارة جامعة القاهرة، وجدتني أقف مندهشا ومذهولا- رغم فرحي الشديد – مرة أخرى لاكتشافي كم كنت جاهلا جهلا لا عذر فيه بموضوع بمثل هذه الأهمية والاهتمام الكبير من كبار علماء الإدارة في العالم، وبما أصبح يشكل ثورة جديدة في الفكر الإداري توشك أن تعيد تشكيل هيكل معظم علوم الإدارة وفروعها، كالتسويق والتمويل والإنتاج، والفكر الاستراتيجي، والإداري ذاته، وكل مايتعلق بذلك. حينئذ أدركت أن من اختاروا هذا الموضوع قد أسدوا إلى معروفا كبيرا لن أنساه ما حييت فقد أدركت كم أنا جاهل بأمور كثيرة يجب ألا أجهلها، وحينما تعمقت في بحارها اللجية عرفت أكثر أن ما يجب على أن أتعلمه لاستكمال هذا الموضوع فقط أضعاف مضاعفة لما علمته والذي لا يمثل إلا قطرة صغيرة في محيط متلاطم الأمواج ولا تكاد تعرف له شطآن. فإن كان هناك شكر وتقدير يجب على الباحث أن يعلنه لأهله – وهذا هو ما يعلمنا ديننا – فإنه لمن اختاروا هذا الموضوع ليكون بمثابة البحث المرجعي للتقدم به ضمن متطلبات نيل درجة أستاذ في إدارة الأعمال. فلقد شعرت بحق أن الوقت الذي أنفق فيه – رغم قصره النسبي – والمجهود الذي بذل – رغم محدوديته – لا يتوازي بأي حال مع المنفعة (value) العالية التي أشعر أنني حققتها الآن من ورائه.
تقديم:
إن موضوع "تصميم الاستراتيجيات الموجهة بالقيمة لاتخاذ القرارات" يعتبر موضوعا من الموضوعات البحثية المهمة في مجال الإدارة عموما والإدارة الاستراتيجية خصوصا، والذي لم يكد يبدأ الحديث عنه إلا في السنوات العشر الأخيرة وبصورة شديدة التطور والنمو، ومن العديد من الباحثين وعلماء الإدارة في فروعها المختلفة. فما هي قصة هذا الموضوع؟ما هو المقصود بتلك الاستراتيجيات الموجهة بالقيمة؟ وما دورها في اتخاذ القرارات الاستراتيجية؟ وما هي انعكاسات ذلك على أفرع الإدارة المختلفة؟ وما هو تأثيرها المحتمل على التفكير الإداري وخاصة الاستراتيجي منهم؟وما هو انعكاسها على التطبيق العملي لممارسة الإدارة؟ ومن هم أهم من أسهموا في هذا الاتجاه؟ وما هي مساهمة كل منهم؟ وهل أصبح هناك إطار كامل ومتبلور يمكن أن يشكل ما يشبه نظرية أو فكرا جديدا، أو مدخلا مختلفا للإدارة من خلال هذا التوجه؟ هذه الأسئلة وما يتعلق بها هي التي سوف يحاول الباحث أن يجيب عنها في هذا البحث الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني فيه لتحقيق أقصى منفعة وقيمة (value) لي ولكل من يقرأه، وليكون بمثابة بداية أو خطوة على طريق تتبع مثل هذا الموضوع بالمزيد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية والتطبيقية باللغة العربية بإذن الله تعالى. محددات البحث: يود الباحث أن يشير منذ البداية إلى عدة محددات حتى يمكن الاتفاق على أساس واحد بين الباحث والقارئ في ما سوف يتعرض له وما لن يتعرض له الباحث وكذلك القيود التي صاحبته ومن أبرز هذه المحددات : 1. كثرة المكتوب في الموضوع على عكس ماقد يشتكي منه الكثير من الباحثين وفي نفس الوقت محدودية المساحة المتاحة للكتابة في مثل هذه الأبحاث المرجعية وفي ضوء المعايير المقبولة للبحث الجيد مما جعل تحديا أمام الباحث في أن يجمع بين شهوة ان يعرض ما وقع تحت يده من مادة ثرية وحديثة في الموضوع، وبين أن يوجز ويشير ويحيل ليس فقط من خلال مهارة الإيجاز والتلخيص وإنما أيضا مع مراعاة ألا يكون ذلك مخلا قدر الإمكان بالإحاطة بكافة جوانب الموضوع . 2. أن الباحث سوف يقتصر فقط علىتلك الكتابات التي تناولت الموضوع من وجهة نظر الإدارة وخاصة في السنوات العشر الأخيرة وعلى وجه الأخص الخمسة الأخيرة منها دون الرجوع إلى ما أفاض فيه علماء الاقتصاد في موضوع القيمة على وجه الخصوص رغم مساهمتهم الكبيرة والقديمة والمستمرة في الموضوع وذلك لتباعد تلك الاهتمامات عن أهداف وأبعاد هذا الموضوع تحديدا . 3. هذا بالإضافة إلى أن الباحث لن يرجع فيما وراء الكتابات التي ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة إلا إذا كان الأمر يتعلق بمساهمة جديرة بالإشارة لتأثيرها في بناء هذا الاتجاه بشكل مباشر أو غير مباشر . 4. رغم ما قد يكون لهذا الموضوع من انعكاسات مهمة حتى على المنظمات الحكومية وأيضا تلك التي لا تهدف للربح إلا أن تركيزه سوف يكون على منظمات الأعمال التي تهدف للربح وإن كان المجال مفتوحا لغيري للإسهام فيه.
نظرة تاريخية للجذور والبدايات :
قبل أن نمضي في إستعراض تفاصيل الموضوع يجب أن نقف قليلا لنتدبر نقطة الانطلاق والبداية والمعالم التي مر بها حتى وصل إلى الصورة التي وصل إليها الآن . فبرغم كثرة وتدافع الكتابات في موضوع الاستراتيجيات أو الإدارة أو التسويق الموجه بالقيمة فإنه من الإنصاف أن نحدد متى كانت نقطة البداية أو المفجر لمثل هذا الاتجاه حتى وإن لم يكن ذلك بطريق مباشر وتحت نفس العنوان.
الجذور الاقتصادية :
وبالطبع وكما سبق ان ذكرت فإن الجذور التي ترجع إلى كتابات الاقتصاديين لن تكون موضع تفصيل هنا إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنها شكلت ولا تزال حقلا أساسيا من حقول الفكر الاقتصادي ابتداءامن مفكري الاقتصاد السياسي في القرن التاسع عشر من أمثال (Tooke) وأوائل القرن العشرين من أمثال ماركس وميل وما بعدهما من علماء حتى الآن فكما أوضح (Panico,C.,1988) فإن البدايات كانت عبارة عن محاولة الاقتصاديين للربط بين معدل الفائدة والربح والقيمة أو المنفعة التي تترتب على عملية التوزيع حيث كان أهم هذه النظريات هنا هو محاولة الوصول للربح العدل دون زيادة أو مغالاة،وذلك لضمان عدالة عملية التوزيع للقيمة المضافة بين عناصر الإنتاج المختلفة . فهل يكون معدل الفائدة نسبة من الربح ؟ أم أن هناك عوامل أخرى تؤثر في معدل الفائدة ؟...الخ وهل العلاقة بين كل من معدل الفائدة والربح علاقة مرتبطة أم مستقلة ؟ وبصفة عامة يقررPanico,c.1988,p.184)) أن هذه النظريات أغفلت قوى المنافسة في السوق ولم تأخذها في الاعتبار وهو ما حاول الاقتصاديون ابتداء من (Panico, 88) وما تلاه، توضيحه لاستكمال النظرية، التي تحاول تفسير تلك العلاقة بين معدل الفائدة والربح والقيمة والذي يهمنا هنا تحديداً هو إدخال الاقتصاديين لما أسموه قوى السوق التنافسية، والتي اعتبرها بحق هي الشرارة التي التقطها علماء الإدارة من أمثال (Porter, M.) والذين أفاضوا في كيف يمكن تفهم تلك القوى وتحليلها لبناء استراتيجيات أعمال من شأنها أن تعمل على تعظيم القيمة لكل من المنشأة والعميل. بورتر والبدايات الأولى : تعتبر كتابات (Porter,M,.1980.1985) من وجهة نظر البحث هي البدايات الحقيقية التي انطلق منها الكثيرون من مفكري الاستراتيجية حتى تبلور هذا الاتجاه بشكله الحالي فلقد حاول (Porter,1988) أن يضع إطارا عاما في هذا الكتاب الذي جعله في مصاف كبار علماء الاستراتيجية في نهايات القرن العشرين – حاول فيه أن يضع أسسا جديدة ومتكاملة لتحليل الصناعات والمنافسين في شكل إطار تحليلي لفهم الصناعات والمنافسين وصياغة أوتصميم استراتيجية تنافسية شاملة للمنشأة , ويعتبر أن أهم العوامل المحددة لربحية أي منشأة في أي صناعة والتي تؤثر في القيمة لكل من المنشأة وعملائها عاملان هما : - درجة جاذبية الصناعة - الميزة التنافسية للمنشأة ففي الأولى إقترح إطارا لتحليل قوى المنافسةالتي تهدد اي صناعة وتؤثر على درجة جاذبيتها والتي تتكون من خمس قوى (شكل 1) واعتبر(Porter,80) أن هذه القوى تؤثر في ربحية أي صناعة من خلال تأثيرها في الأسعار، والتكاليف، والاستثمار المطلوب لدخول هذه الصناعة – تلك العوامل المحددة لمعدل العائد على الاستثمار . أما فيما يتعلق بالمحدد المهم الآخر وهوالموقف التنافسي النسبي للشركة داخل صناعة ما فإنه دالة في أمرين يحددا الميزة التنافسيةلأية منشأة وهما : تخفيض التكاليف , والتفرد أو التميز. |