فطرية القيادة في ديار بني سعة (4) |
|
فطرية القيادة في ديار بني سعة (4) إعداد/ أ.د. محمد المحمدى الماضى أستاذ الإدارة الإستراتيجية بجامعة القاهرة ---------------------------------------------------------------- www.almohamady.com لا يمكن أن نمر مر الكرام علي تلك العادة العجيبة لعائلات قريش الراقية ، أولا وهي استرضاع أبنائهم في البدو . فربما يظن البعض أن الهدف من ذلك كان لمجرد الرضاعة والحفاظ علي جمال ورشاقة نسائهم ، ولكن مع النظرية الأكثر عمقاً سوف نجد أن هناك أسباب أخرى أهم ، وخاصة فيما يتعلق بالتنشئة القيادية المبكرة لهؤلاء الأطفال . فالقيادة كما سبق أن واضحنا يتم صناعتها من الولادة ، ولكل مرحلة من مراحل الطفولة مكون يجب أن يكتمل ويأخذ حقه بشكل مدروس ، وإلا ظهر ظلالا في الشخصية القيادية لايمكن تعويضه بعد ذلك بأي حال من الأحوال . رغم وفاة والده صل الله عليه وسلم قبل ولادته إلا أن جده كان حريصاً علي الإنفاق علي حفيده الذي كان كثيراً ما يقول إن له لشأن ، ليتوافر له كل مقويات القيادة ، فدفعه لمرضعة من بني سعد ، وهي قبيلة في زمام الطائف تقع حال 40 كيلومترا جنوبها أي حوال 150 ك م جنوب مكة ، وهي منطقة تتميز بالطبيعة الخلابة والإتساع ال ممتد ، والجبال الشاهقة ، والطقس المعتدل ، فهي في الصيف شبه مصيف الآن ، والأمطار المنهمرة وخاصة في الصيف ، و الزراعة والخضرة المستمرة والرعي ... حيث يتهيأ للنشأة عدة أمور مهمة للغاية تهم في بناء الشخصية القيادية المبكرة وأهمها :- بناء الساعة البيولوجية الفطرية للشخصية فيما يتعلق بالليل والنهار ووظائف كل منهما ، فالليل جعل للسكن والنوم المبكر والنهار جعل للحركة الإنطلاق المبكر لممارسة اعباء الحياة ، وفي هذا توافق مع الساعة البيولوجية الكونية كما خلقها الله ، وكما ارشدنا إليه في كتابه الكريم . وهذا التكوين المبكر لتلك العادات المتعلقة بالنوم، واليقظة من أهم عوامل النجاح للشخصية القيادية فيما يتعلق بجانب إدارة الوقت ، وشحن الطاقة الجسمانية بشكل صحيح ومتكامل . لقد رأينا كثيرا من النماذج التي ظلت تعاني في حياتها عموما نتيجة لخلل تربوي مبكر جعلها لا تستطيع ضبط إيقاع النوم واليقظة فعكست بين وظيفة الليل والنهار ، فأنهار نظام إدارة الوقت لديها ، وأختلت الطاقة الجسمانية ، وفقدت أي فرص لتنبوء أي مراكز قيادية ، والأعجب أنه قد أصبح شبه مستحيل بعد ذلك تغيير تلك العادات التي أصبحت راسخة كالجبال رواسي . أن الحياة في البادية تجبر كل من فيها بالتعود علي تلك الطبيعة بعكس حياة الحضر ، المشكلة حينئذ والتي يغلب علي أهلها التحضر والسهر والسمر والأستيقاظ متأخراً لدي الأطفال نتيجة للارتباط الطبيعي بأمهاتهم وآبائهم ... إن هذا الأمر قد يعتبر البعض هينا وهو ليس كذلك ، وخاصة لدي كثير من حديثي الزواج في مصر الآن ، ورأينا في دول أجنبية مثل ألمانيا صرامة شديدة في ضبط مواعيد الأطفال منذ الطفولة ، بل ومواعيد الطعام . نظراً لأهمية ذلك في بناء شخصيتهم . لم يكن ضبط الساعة البيولوجية هو الميزة الوحيدة فقط ولكن توافر للرسول صل الله عليه وسلم في طفولته ببني سعد مزايا أخرى مهمة, ففي فترة الرضاعة توافر له أيضا أعلى درجة من الرعاية والاحاطة والاهتمام والحنو من كل من يحيط به , وظل ذلك طوال تواجده في ديار بني سعد , فرغم يتمه صل الله عليه وسلم وهو ما يجعل المرضعات تزهد في مثله, إلا أن ما صاحبه من بركة مباشرة على مرضعته الفقيرة سواء كان ذلك في لبنها الذي زاد تدفقه, أو في حمارها الذي رجع بقوة أضعاف مضاعفة لما أتى به لدرجة أنها سبقت باقي المرضعات , وكن يسخرن قبل من هزال حمارها , أو في درع غنمها وماعزها التي تضاعف لبنها , وكانت تعود بطانا عكس باقي غنم بني سعد , لقد ربطت حليمة السعدية وأهلها بين الغلام وما حل عليهم من بركة , بل لقد لاحظ ذلك كل من في بني سعد , لقد كان ذلك بمثابة أكبر تعويض لحليمة وأهلها , بل وكل قبيلة بني سعد؛ وهذا هو فضل من الله سبحانه وتعالى عليه صل الله عليه وسلم, حيث كان لذلك أعظم الأثر في أن تحيطه حليمة وأهلها جميعا بأكبر درجة من الحنو والرعاية والاهتمام, باعتباره ذا شأن غظيم, لدرجة جعلتها تقدمه على أبنائها, لقد كون ذلك في قلبها وأهل بيتها عاطفة جياشة تجاه هذا الصغير ملؤها حباً لا يخالطه أي نوع من أنواع القسوة أو الشدة أو الغلظة أو حتى مجرد الاهمال , والتي يمكن أن تمارس مع طفل رضيع صغير, فلا يمكن أن يشتكي , ولا يمكن لأهله أن يعرفوا ذلك , ولكن الأثر النفسي لمثل تلك القسوة أو التجاهل, أوالاهمال في تلك السن المبكرة لا يمكن إزالة أثره السئ فيما بعد وخاصة فيما يعمقه من عقد نفسية دقيقة, يرى أثرها, ولا يعرف سببها .. www.almohamady.com
|
جميع الحقوق محفوظة |